مختارات:
| 0 التعليقات ]

أمام محل له في ميدان فلسطين في قلب مدينة غزة جلس المواطن جهاد قلجة يستنشق عبير الصباح الفواح بعطر ضيف كريم اقترب من طرق أبواب الخير مردداً أذكار يوم جديد قبل انطلاق أيام شهر رمضان التي اعتاد على العمل خلالها في مهنة الخروب التي تعلق بها وعشقها على مدار ثلاث عقود سابقة.
وورت قلجة في منتصف العقد السادس من عمره مهنة صناعة وبيع الخروب عن أبيه الذي احترفها عن أجداده الذين طالما تميزوا خلال الشهر الفضيل طيلة أعوام سالفة في صناعة المشروب الذي يعد الأساسي على مائدة إفطار الغزيين في "رمضان" ليروي ظمأ الصائمين في يوم صيام شديد الحر طويل وشاق.
**تحضيره متعب
عمل "أبو رجب" كبائع للخروب في الشهر الفضيل ليس كعمل أي يوم عادي في هذه المهنة التي يصفها بـ"الشاقة" فهو يكابد عناءً وتعباً متواصلين آناء الليل وأطراف النهار في صناعة المشروب الرمضاني المفضل لدى زبائنه الذين يتزاحمون عليه قبل أن يدق مدفع الإفطار اليومي.
ويشير الحاج قلجة الذي أنهى كافة الاستعدادات لاستقبال موسم الخير إلى أن تحضير "خروب رمضان" أو كما يحب أهل الشام أن يطلقوا عليه "عرق سوس" تحتاج لوقت ليس بالبسيط في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي بغزة المحاصرة في أكبر سجن بالعالم للعام الرابع على التوالي، واعتماد صانعيه على الثلاجات والبرادات لحفظه في درجات حرارة مناسبة.
ويعتبر "شجر الخروب" من أقدم الأشجار وهو دائم الخضرة وثماره تتمثل في قرون عريضة تتباين أطوالها في كل شجرة ويتميز بقدرته على تحمل عوامل الجو القاسية ويعيش في الأراضي الصخرية والتربة الرملية، ولا يحتاج لكثير من الماء.
وتؤكد دراسة أعدها المركز القومي للبحوث أن لمشروب الخروب فوائد كبيرة تتمثل في تقوية المعدة وإدرار البول وتجديد النشاط‏,‏ كما أن سكر المانوز والجليكوز في الخروب يساعد في التخلص من السموم والإفرازات الضارة الموجودة في الأمعاء‏.
ويقول قلجة لـ"الرسالة نت ": "جدي والد أمي الذي كان يلقب بأبو الفوارس كان مشهوراً في قطاع غزة قديماً بأنه من أفضل صانعي وبائعي الخروب في وقته".
وبالنسبة لزيادة إقبال المواطنين على شراء الخروب في أيام رمضان أكثر من أيام العام العادية، بين أن الخروب مشروب طبيعي وخال من جميع المواد الكيماوية والصودا لذا هو مشروب صحي وذو فائدة ويسهل عملية الهضم.
**فوائده الكبيرة
ولفت إلى أن الخروب يروي الظمأ إضافة إلي فوائده الكبيرة والتي تساعد في حماية الجسم وتنشيط الكلى والدورة الدموية وخلوه من المواد الحافظة التي تدخل في المشروبات الصناعية الأخرى.
وعن طريقة التحضير يقول "أبو رجب":  أنا مواظب على شراء كميات كبيرة من الخروب الخام "القرون" من تجار معروفين منذ عدة سنوات لتبدأ أولى مراحل عملية التحضير فأغسله جيدا ثم أطحنه بعد أن أنقعه لفترات معينة في الماء لفترة تتراوح بين نصف يوم إلى يوم كامل، بحسب الكمية المنقوعة.
وعن قيام المواطنين بتحضير الخروب في منازلهم، أكد بائع المشروب الرمضاني:"مهما حاول المواطنون تحضير الخروب في المنازل أو شرائه جاهزاً مصنوعاً ومعبئاً في عبوات من المحال والأسواق لن يكون بنفس الطعم الأصلي للمشروب الذي أحضره".
وخلال جولة "الرسالة نت" بين أزقة وميادين وأسواق مدينة غزة شاهدت انتشار عربات وبسطات يقف عليها أطفال وشبان يمتهنون بيع الخروب، قال قلجة أن الكثير من بائعي الخروب يصبغونه ويذوبون السكر في الماء.
المواطن الثلاثيني شادي محمد من شمال غزة أكد على حرصه شراء "الخروب" لأسرته كل عام من أمام المحال الأكثر شهرة في صناعته خلال موسم رمضان، قائلاً:"تعودت خلال الأعوام الماضية وبعد قضاء يوم شاق في عملي بوزارة الاتصالات على شراء هذا المشروب من البائعين المنتشرين في ميدان فلسطين".
وأشار شادي المتلهف لاستقبال شهر رمضان الذي وصفه بـ "شهر الخيرات والبركات" إلى أن عصير الخروب من العادات الرمضانية لدى الفلسطينيين، مبيناً حرص الصائمين على تناوله على مائدة إفطارهم الرمضانية.
ويزرع الخروب من أجل ثماره الغذائية، كما أن الجزء المستخدم من النبات هو الثمار وقشور الساق حيث تحتوي ثمار الخروب على كمية كبيرة من السكر تصل إلى 70% ودهون ونشا وبروتين وفيتامينات.
**أقل تكلفة
أما السيدة أم محمود (45عاماً) فأوضحت أنها تعودت خلال أيام شهر رمضان على شراء "الخروب الخام ولوازمه من صبغة لتحضره بنفسها قبل موعد الإفطار، معتبرةً ذلك أقل تكلفة من شراء الخروب الجاهز الذي يعده بائعو البسطات والعربات في الأسواق.
وأضافت المواطنة الغزية: "في كل عام أحرص على شراء لوازم شهر رمضان الضرورية وأضع على سلم أولويات مشترياتي مشروب الخروب ويباع في متاجر العطارين بأسواق غزة القديمة ويبلغ سعر الكيلو الواحد 5 شواقل وتختلف الأسعار بين الخروب التركي والبلدي الصنع".
ويكثر الإقبال على شرب عصير الخروب المثلج في الميادين العامة والأسواق حيث ينتشر الباعة على المفترقات في فصل الصيف بسبب شدة الحر وتعويض ما فقده الجسم من السوائل الضرورية له.
وعاد "قلجة" ليؤكد على أن عملية بيع الخروب في الفترة الحالية أصبحت غير مجدية عن الأعوام الماضية، مضيفاً:"ارتفاع سعر كيس السكر وانخفاض ثمن كوب الخروب وبقاءها على ما هي عليه طيلة 35 عاماً يؤدي لتوقف بائع الخروب عن مهنته الأصلية بسبب الارتفاع الكبير في شراء المواد الأساسية لصناعة متطلبات تحضير هذا المشروب".
وقد أفادت دراسة علمية أن الخروب يهدئ من الحركة الزائدة لعضلات الأمعاء ويعالج القولون العصبي ويقلل من فقد السوائل الذي يصاحب حالات الإسهال‏، فيما تستعمل قرون الخروب حالياً لعلاج آمن للإسهال لدى الأطفال، لسهولة هضمه وهو مشروب غني بالكالسيوم والألياف النباتية وفيتامين A ومضادات الأكسدة، وبه سكريات بنسبة عالية وطعمه حلو وملين خفيف وينظم المعدة ويوقف القيء لدى الأطفال.

0 التعليقات

إرسال تعليق