ما إن يحين موعد السحور حتى يقبل المسحراتي أبو رامي ياسين بباصه المضيء المزين بالنجوم والأهلة والفوانيس الكبيرة .. ليخترق ظلمة الليل و يبدد سكونه، مناديا على كل عائلة باسمها و أسماء أفرادها، يدعوهم إلى السحور، وفي الخلفية صوت الأناشيد الرمضانية الإسلامية تطرب آذان سكان المناطق التي يجوبها (رمضان بالبشرى أتى يروي القلوب المسلمة..).
وتنتظر الطفلة سجى و أخوها محمود عقل قدوم سيارة المسحراتي ياسين المركشة بالألوان والأضواء ليستمعوا لاسم عائلتهم حين يناديها (يا آل عقل .. قوموا إلى السحور.. تسحروا إن في السحور بركة).
ويذكر المسحراتي ياسين أن الفكرة تواردت إليه، عندما بدأت الزفة الإسلامية باستعمال باصات الإنشاد بدلا من "الفدعوس"، ثم تطورت الفكرة للخروج بوجه آخر للمسحراتي بالتعاون مع مجموعة من الشباب لإتمام هذه الفكرة.
فكرة جديدة
ومن المعتاد أن يستفيق المواطنين في مناطق متفرقة غزة خلال ليالي رمضان، على طبول المسحراتي الذي يجوب الشوارع مشيا على الأقدام، كعادة قديمة تفوح بعبق التراث، لكن من غير المعتاد أن يستفيق الناس على صوت منادي عبر مكبرات الصوت، يجوب الشوارع بباص صغير تحفه الأضواء والزينة من كل جانب.
وعبر المسحراتي عن سعادته جراء العمل الذي يقوم به، خاصة وأنه يرى الفرحة موسومة على وجوه الناس الذين ينادي بأسمائهم".
ويضيف ياسين "يتفاعل الناس مع الفكرة بكثرة .. فلطالما اتصلت علي بعض العائلات يطلبون مني المناداة على أطفالهم لأن هذا الأمر محبب بالنسبة لهم".
ويعد هذا العمل عملا مستقلا غير تابع لأي حزب أو جهة معينة حسب قوله فيذكر ياسين أنه ينادي جميع العائلات باختلاف توجهاتها السياسية، وهذا ما جعل له صدى بين الجميع فيذكر أحيانا كنوع من الدعابة "يا أبناء حماس" ، "يا أبناء فتح" ، "يا أبناء الجبهة" .. قوموا إلى السحور" كل حسب حزبه.
ومن خلال أسلوبه المرح استطاع المسحراتي ياسين أن يدخل إلى قلوب الكبار والصغار، فكثيرا ما تجد الصغار يتراصون على نوافذ منازلهم يلوحون له بأيديهم.
و ينادي ياسين عائلات الشهداء و أبنائهم تكريما لهم و لأبنائهم الشهداء "يا أبناء الشهيد ... و يا عائلة الشهيد..قموا إلى سحوركم".
عمل تطوعي
وعن الأجر الذي يتقاضاه ياسين مقابل هذا العمل، يقول "أنا أقوم بعملي ابتغاء الأجر من الله وحده لكن قد يساهم معي عامة الناس بثمن السولار و البنزين الذي أستخدمه بكثرة لتشغيل الباص و تشغيل المولد الكهربائي".
ويستخدم ياسين الانترنت للبحث عن كل ما هو جديد من أناشيد رمضان الإسلامية لتشغيلها خلال تجواله بين الأحياء.
وفي بعض الأحيان تستضيف العائلات المسحراتي و من معه على مائدة السحور ويقدمون لهم الفواكه و المشروبات ترحيبا بوجودهم و تشجيعا لهم على المجهود الذي يبذلونه.
وعن امكانية توسيع نطاق التسحير في المناطق المختلفة من مدينة غزة، فيشير ياسين إلى أن المناطق التي يزورها محدودة، ولديه رغبة في توسيعها نطقها لكن هذا الأمر يحتاج إلى باص أخر وجهاز صوت جديد وهذا ما يصعب تنفيذه حاليا"كما قال.
آراء أيدته
وحظيت فكرت المسحراتي الجديدة، بإعجاب الكثير من المواطنات، حيث أيدت الحاجة أم محمود المقادمة هذه الفكرة ووصفتها بالرائعة.
وقالت المقادمة في الخمسين من عمرها: "نشعر بأن هناك من يهتم بنا عندما ينادينا المسحراتي كل عائلة باسمها".
واعتبرت ما يفعله أبو رامي ياسين نوع من الإيثار حيث يستيقظ متجولا بين عدة مناطق بينما الناس نيام، مبينا أن هذه الفكرة شجعت الكثيرين على الاستيقاظ للسحور، فيما تدخل الزينة المعلقة على الباص البهجة إلى قلوب الأطفال.
أما آلاء سلامة فاعتبرت أن فكرة الباص المتجول، فكرة جديدة وجميلة لكنها أيدت وجود المسحراتي التقليدي "الطبال" حيث أنها اعتبرته شيء من التراث القديم ولوجوده نكهة خاصة يتميز بها عن غيره.
أما انتصار محمد القاطنة في منطقة اللبابيدي وسط مدينة غزة، فشجعت فكرة باص المسحراتي و تمنت لو أن في مكان سكنها مثل هذه الفكرة الجديدة المميزة.
وفي كل يوم رمضاني جديد تتوق عيون الأطفال لرؤية باص المسحراتي المضيء حتى بدا شيء أساسيا في حياتهم يربطون وجوده بقدوم شهر الخير.
0 التعليقات
إرسال تعليق